قال المصنّف رفع اللّه درجته
قالت الإمامیّة و المعتزلة: لا یجوز أن یعاقب اللّه النّاس على فعله و لا یلومهم على صنعه وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى (1)، و قالت الأشاعرة: لا یعاقب اللّه النّاس إلّا على ما لم یفعلوه و لا یلومهم إلّا على ما لم یصنعوه، و إنّما یعاقبهم على فعله فیهم یفعل فیهم سبّه و شتمه ثم یلومهم علیه و یعاقبهم لأجله و یخلق فیهم الإعراض، ثمّ یقول فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْکِرَةِ مُعْرِضِینَ (2)، و یمنعهم من الفعل و یقول ما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ یُؤْمِنُوا (3) «انتهى».
قال النّاصب خفضه اللّه
أقول: مذهب الأشاعرة أن الله تعالى خالِقُ کُلِّ شَیْءٍ کما نصّ علیه فی کتابه (4)، و لا خالق سواه و یعاقب النّاس على کسبهم و مباشرتهم الذّنوب و المعاصی،
و یلوم العباد بالکسب الذّمیم، و هو یخلق الأشیاء و اللّه یخلق الإعراض، و لکنّ العبد مباشر للإعراض فهو معرض، و المعرض من یباشر الفعل لا من یخلق و کذا المنع «انتهى».
أقول: [القاضى نور اللّه]
النّصّ الدّال على أنّه تعالى خالِقُ کُلِّ شَیْءٍ مخصوص بالعقل الحاکم، بأنّه تعالى لم یخلق ذاته المقدّسه و بمعارضة النّصوص النقلیة، کقوله تعالى فَتَبارَکَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِینَ (5)، و الأدلة العقلیّة الدّالة على أن العبد فاعل لفعل نفسه کما سیجیء، فیکون المراد أنّه تعالى خالق لجمیع الأفعال المنسوبة إلیه، إن قیل: إنّه تعالى إنّما قال: إنّه خالِقُ کُلِّ شَیْءٍ تمدّحا و استحقاقا للعبادة، فلا یصحّ الحمل على أنّه خالق لبعض الأشیاء کأفعال نفسه لأنّ کلّ حیوان عند الإمامیّة و المعتزلة کذلک، قلنا: یجوز أن یکون التمدّح بفعل نفسه لکونه أتقن و أجلّ و أکبر ذاتا و نفعا فلا حاجة فی إفادة التمدّح إلى العموم، و أمّا حدیث الکسب فسیجیء الکلام فیه فی موضعه إن شاء اللّه تعالى.
1) اقتباس من قوله تعالى فی سورة الاسراء. الآیة 15.
2) المدثر. الآیة 49.
3) الکهف. الآیة 55.
4) الرعد. الآیة 16.
5) المؤمنون. الآیة 14.