إنّ کلّ ممکن، معلول فی تحقّقه للّه سبحانه، و لیس للمعلولیة معنى سوى تعلّق وجود المعلول بعلّته و قیامه بها قیاماً کقیام المعنى الحرفی بالمعنى الاسمى، فکما أنّ المعنى الحرفی بکلّ شئونه قائم بالمعنى الاسمى فهکذا المعلول قائم بعلّته المفیضة لوجوده، و ما هذا شأنه لا یکون خارجا عن وجود علّته، إذ الخروج عن حیطته یلازم الاستقلال و هو لا یجتمع مع کونه ممکناً.
فلازم الوقوع فی حیطته، و عدم الخروج عنها، کون الأشیاء کلّها حاضرة لدى ذاته و الحضور هو العلم، لما عرفت من أنّ العلم عبارة عن حضور المعلوم لدى العالم.
و یترتّب على ذلک أنّ العالم کما هو فعله، فکذلک علمه سبحانه، و على سبیل التقریب لاحظ الصور الذهنیة الّتی تخلقها النفس فی وعاء الذهن، فهی فعل النفس و فی نفس الوقت علمها، و لا تحتاج النفس فی العلم بتلک الصور إلى صور ثانیة، و کما أنّ النفس محیطة بتلک الصور و هی قائمة بفاعلها و خالقها، فهکذا العالم دقیقه و جلیله مخلوق للّه سبحانه قائم به و هو
محیط به، فعلم اللّه و فعله مفهومان مختلفان، و لکنّهما متصادقان فی الخارج.
و قد اتّضح بما تعرّفت أنّ علمه بأفعاله بعد إیجادها حضوری، کما أنّ علمه سبحانه بذاته و بأفعاله قبل إیجادها حضوریّ، فإنّ المناط فی کون العلم حضوریاً هو حصول نفس المعلوم و حضوره لدى العالم لا حضور صورته و ماهیته، و هذا المناط متحقّق فی علمه تعالى بذاته و بأفعاله مطلقاً.