إنّ کلمة «المولى» استعملت فی معانی أو مصادیق مختلفة و هی: المالک، و العبد، و المعتق (بالکسر) و المعتق (بالفتح) و الصاحب، و الجار، و الحلیف، و الابن، و العمّ، و ابن العمّ، و النزیل، و الشریک، و ابن الأخت، و الربّ، و الناصر، و المنعم، و المنعم علیه، و المحبّ، و التابع، و الصهر، و الأولى بالشیء و الّذی وقع مورد الاختلاف بین الشیعة و أهل السنّة من هذه المعانی، هی المحبّ و الأولى بالشیء. فأهل السنّة یقولون، المقصود من المولى فی حدیث الغدیر هو المحبّة و المودّة، و الشیعة تقول: المقصود منها هو الأولى بالتصرف فی أمور المؤمنین و هو معنى الإمامة. و هم یستشهدون على ذلک بقرائن حالیة و مقالیة. تجعل الحدیث کالنصّ فی أنّ المراد من المولى هو الأولى بالتصرّف فی شئون المؤمنین على غرار ما کان للنبیّ صلى الله علیه و آله من الولایة.
و أما القرینة الحالیة، فلأنّ لزوم المحبّة الإیمانیة أمر عامّ شامل لکلّ مؤمن و مؤمنة و هو من الأمور الواضحة لکلّ مسلم و لا حاجة لبیانه أو التأکید علیه فی مثل ذلک الموقف الحرج و فی أثناء المسیر، و رمضاء الهجیر، و الناس قد أنهکتهم وعثاء السفر و حرّ المجیر، حتّى أنّ أحدهم لیضع طرفا من ردائه تحت قدمیه و طرفا فوق رأسه. فیرقى هنالک منبر الأهداج،
و یعلنهم النبیّ صلى الله علیه و آله بما هو من الواضحات و هذا بخلاف الولایة بمعنى الأولى بالتصرف فی شئون المسلمین لأنّ الأصل عدم ولایة أحد على غیره بهذا المعنى. هذا مضافاً إلى أنّ الدواعی و الرغبات فیها کثیرة فتعیین المتولّى لأمور المسلمین بعد النبیّ صلى الله علیه و آله فی مثل ذلک المحتشد العظیم کان مقتضى الحکمة و المصلحة.
و أما القرائن المقالیة فمتعدّدة نشیر إلى بعضها:
القرینة الأولى: صدر الحدیث و هو قوله صلى الله علیه و آله: «أ لست أولى بکم من أنفسکم». أو ما یؤدّی مؤدّاه من ألفاظ متقاربة، ثمّ فرَّع على ذلک قوله: «فمن کنت مولاه فعلیّ مولاه» و قد روى هذا الصدر من حفّاظ أهل السنّة ما یربو على أربعة و ستّین عالماً. (1)
القرینة الثانیة: نعی النبیّ نفسه إلى الناس حیث إنّه یعرب عن أنّه سوف یرحل من بین أظهرهم فیحصل بعده فراغ هائل، و أنّه یسدّ بتنصیب علی علیه السلام فی مقام الولایة. و غیر ذلک من القرائن الّتی استقصاها شیخنا المتتبّع فی غدیره (2) الى غیر ذلک من القرائن المحفوفة بها لحدیث الغدیر. (3)
1) لاحظ قولهم فی کتاب الغدیر، ج 1، موزَّعین حسب قرونهم.
2) المصدر السابق: 370- 383.
3) انظر: الإلهیات على هدى الکتاب و السنة و العقل: 2 / 598- 599 و الغدیر للعلامة الأمینی: 1 / 651- 666. فقد ذکر الأخیر عشرین قرینة متصلة و منفصلة على ذلک.