لفظة الربّ فی لغة العرب بمعنى المتصرّف و المدبّر و المتحمّل أمر تربیة الشیء، و حقیقة التدبیر تنظیم الأشیاء و تنسیقها بحیث یتحقّق بذلک مطلوب کل منها و تحصل له غایته المطلوبة له، و على هذا فحقیقة تدبیره سبحانه لیست الّا خلق العالم و جعل الأسباب و العلل بحیث تأتی المعالیل و المسبّبات دبر الأسباب و عقیب العلل، فیؤثّر بعض أجزاء الکون فی البعض الآخر حتّى یصل کلّ موجود إلى کماله المناسب و هدفه المطلوب، یقول سبحانه:
«رَبُّنَا الَّذِی أَعْطى کُلَّ شَیْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى» (1)
و التوحید فی الربوبیة هو الاعتقاد بأنّ تدبیر العالم الإمکانی بید اللّه سبحانه و أمّا الأسباب و العلل الکونیة فکلّها جنود له سبحانه یعملون بأمره و یفعلون بمشیئته و قد صرّح القرآن الکریم على أن هناک مدبّرات لأمر العالم بإذنه تعالى، قال سبحانه: «فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً» (2)
و یقابله الشرک فی الربوبیة و هو تصور أنّ هناک مخلوقات للّه سبحانه لکن فوّض إلیها أمر تدبیر الکون و مصیر الإنسان فی حیاته تکویناً و تشریعاً.
و هاهنا نکتة یجب التنبیه علیها و هی أنّ الوثنیّة لم تکن معتقدة بربوبیّة الأصنام الحجریّة و الخشبیّة و نحوها بل کانوا یعتقدون بکونها اصناما للآلهة المدبّرة لهذا الکون، و لمّا لم تکن هذه الآلهة المزعومة فی متناول أیدیهم و کانت عبادة الموجود البعید عن متناول الحسّ صعبة التصور عمدوا إلى تجسیم تلک الآلهة و تصویرها فی أوثان و أصنام من الخشب و الحجر و صاروا یعبدونها عوضاً عن عبادة أصحابها الحقیقیة و هی الآلهة المزعومة.
1) طه: 50.
2) النازعات: 5.