جستجو
این کادر جستجو را ببندید.

حقیقة البداء عند الإمامیة (2)

زمان مطالعه: 2 دقیقه

و بذلک یظهر أنّ المراد من البداء الوارد فی أحادیث الامامیة- و یعدُّ من العقائد الدینیة عندهم- لیس معناه اللغوی، أ فهل یصحّ أن ینسب إلى عاقل- فضلًا عن باقر العلوم و صادق الأُمّة علیهما السلام- القول بأنّ اللّه لم یعبد و لم‏

یعظّم إلّا بالقول بظهور الحقائق له بعد خفائها عنه، و العلم بعد الجهل؟! کلّا، کلّ ذلک یؤیّد أنّ المراد من البداء فی کلمات هؤلاء العظام غیر ما یفهمه المعترضون، بل مرادهم من البداء لیس إلّا أنّ الإنسان قادر على تغییر مصیره بالأعمال الصالحة و الطالحة (1) و أنّ للّه سبحانه تقدیراً مشترطاً موقوفاً، و تقدیراً مطلقاً، و الإنسان إنّما یتمکّن من التأثیر فی التقدیر المشترط، و هذا بعینه قدر إلهی، و اللّه سبحانه عالم فی الأزل، بکلا القسمین کما هو عالم بوقوع الشرط، أعنی: الأعمال الإنسانیة المؤثّرة فی تغییر مصیره و عدم وقوعه.

قال الشیخ المفید:

قد یکون الشی‏ء مکتوباً بشرط فیتغیّر الحال فیه، قال اللّه تعالى:

«ثُمَّ قَضى‏ أَجَلًا وَ أَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ». (2) فتبیّن أنّ الآجال على ضربین، و ضرب منهما مشترط یصحّ فیه الزیادة و النقصان، أ لا ترى قوله تعالى: «وَ ما یُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَ لا یُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِی کِتابٍ». (3) و قوله تعالى: «وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى‏ آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَیْهِمْ بَرَکاتٍ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ» (4)

فبیّن أنّ آجالهم کانت مشترطة فی الامتداد بالبرّ و الانقطاع عن الفسوق، و قال تعالى فیما أخبر به عن نوح علیه السلام فی خطابه لقومه:

«اسْتَغْفِرُوا رَبَّکُمْ إِنَّهُ کانَ غَفَّاراً – یُرْسِلِ السَّماءَ عَلَیْکُمْ مِدْراراً» (5)

فاشترط لهم فی مدّ الأجل و سبوغ النعم الاستغفار، فلو لم یفعلوا قطع آجالهم و بتَّر أعمالهم و استأصلهم بالعذاب، فالبداء من اللّه تعالى یختصّ بما کان مشترطاً فی التقدیر و لیس هو انتقالًا من عزیمة إلى عزیمة، تعالى اللّه عما یقول المبطلون علوّاً کبیراً. (6)


1) سیوافیک انّ النبیّ الأکرم صلى الله علیه و آله- حسب ما رواه البخاری- استعمل لفظ البداء فی نفس ذاک المعنى الّذی تتبنّاه الإمامیة.

2) الأنعام: 2.

3) فاطر: 11.

4) الأعراف: 96.

5) نوح: 10- 11.

6) تصحیح الاعتقاد: 50، و لاحظ ایضاً: أوائل المقالات: 52، باب القول فی البداء و المشیئة.