ممّا تقدّم تبیَّنت صغرى برهان الحدوث و هی أنّ الحیاة فی العالم المادّی حادث، فلیس بذاتی له، (1) و لیُضمَّ إلیها الأصل البدیهی العقلی و هو أنّ کلّ أمر غیر ذاتی معلَّل، کما أنّ کلّ حادث لا بدّ له من محدث و خالق، فما هو المحدث لحیاة المادة؟ إمّا هی نفسها أو غیرها؟ و لکنّ الفرض الأوّل باطل، لأنّ المفروض أنّها کانت قبل حدوث الحیاة لها فاقدة لها، و فاقد الشیء یستحیل أن یکون معطیاً له، فلا مناص من قبول الفرض الثانی، فهناک موجود آخر وراء عالم المادّة هو الموجد للمادّة و محدث الحیاة لها.
إلى هنا تمّ دور الحدوث الزمانی فی البرهان، و أنتج أنّ هناک موجوداً غیر مادّی، محدثاً لهذا العالم المادّی، و أمّا أنّ ذلک المحدث هل هو ممکن أو واجب، و حادث أو قدیم، فلا بدّ لإثباته من اللجوء إلى برهان الإمکان و الوجوب و امتناع الدور و التسلسل.
1) إثبات الحدوث الزمانی للعالم المادّی لا ینحصر فیما ذکر فی المتن من طریق العلم التجریبی، بل هناک طریق أدقّ منه اکتشفها الفیلسوف الإسلامی العظیم صدر المتألهین قدس سره على ضوء ما أثبته من الحرکة الجوهریة للمادّة، قال فی رسالة الحدوث بعد إثبات الحرکة الجوهریة: «قد علَّمناک و هدیناک طریقاً عرشیاً لم یسبقنا أحد من المشهورین بهذه الصناعة النظریّة فی إثبات حدوث العالم الجسمانی بجمیع ما فیه من السّماوات و الأرضین و ما بینهما حدوثاً زمانیاً تجدّدیاً ..»- الرسائل، 48- و لشیخنا الأستاذ، دام ظلّه، تحقیق جامع حول مسألة الحرکة الجوهریة و ما یترتب علیها من حدوث عالم المادّة، راجع کتاب «اللّه خالق الکون».