أصل الحکمة الحکم و هو المنع، قال ابن فارس:
الحاء و الکاف و المیم اصل واحد و هو المنع و اوّل ذلک الحکم و هو المنع من الظّلم و سمّیت حکمة الدابّة لأنّها تمنعها، یقال: حکمت الدابّة و أحکمتها، و یقال: حکمت السّفیه و أحکمته، إذا أخذت على یدیه و الحکمة هذا قیاسها، لأنّها تمنع من الجهل و تقول: حکّمت فلاناً تحکیماً: منعته عمّا یرید. (1)
و قد أطلقت الحکمة على العدل، و العلم و الحلم، و النبوّة و ما یمنع من الجهل، و کل کلام موافق للحقّ، و وضع الشیء فی موضعه و صواب الأمر و سداده. (2)
و قد عرّف الراغب الأصفهانى الحکمة ب «إصابة الحقّ بالعلم و العقل» ثمّ قال:
فالحکمة من اللّه تعالى معرفة الأشیاء و إیجادها على غایة الإحکام، و من الإنسان معرفة الموجودات و فعل الخیرات. (3)
ثمّ إنّ الحکمة فی اصطلاح المتکلّمین قد تکون وصفاً للعلم و قد تکون وصفاً للفعل، و یفسّر الأوّل بأفضل العلم و أکمله، و یفسّر الثانی بإتقان الفعل و تنزّهه عمّا لا ینبغی. قال الرازی (4):
فی الحکیم وجوه: الأوّل: إنّه فعیل بمعنى مفعل کألیم بمعنى مؤلم. و معنى الإحکام فی حقّ اللّه تعالى فی خلق الأشیاء هو إتقان التدبیر فیها، و حسن التقدیر لها، قال تعالى: «الَّذِی أَحْسَنَ کُلَّ شَیْءٍ خَلَقَهُ». (5)
لیس المراد الحسن الرائق فی المنظر و إنما المراد منه حسن التدبیر فی وضع کلّ شیء موضعه بحسب المصلحة، و هو المراد بقوله:
«وَ خَلَقَ کُلَّ شَیْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِیراً» (6)
الثانی: إنّ الحکمة عبارة عن معرفة أفضل المعلومات بأفضل العلوم، فالحکیم بمعنى العلیم.
الثالث: الحکمة عبارة عن کونه مقدّساً عن فعل ما لا ینبغی.
قال تعالى: «أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناکُمْ عَبَثاً» (7)
و الحاصل: أنّ الحکمة إما وصف للعلم و إمّا وصف للفعل. فالأوّل هو الحکمة العلمیة، و الثانی الحکمة العملیة أو الفعلیة، و الحکمة العلمیة راجعة إلى علمه تعالى بذاته و بفعله و هی من الصفات الثبوتیة الذاتیة، و قد تقدّم الکلام فیها من الباب الأوّل. و الّذی یراد بالبحث فی هذا الباب الحکمة الفعلیة بمعنییه و هما: الإحکام فی خلق العالم و تدبیره و تنزّه أفعاله تعالى عمّا لا ینبغی من الجهالة و السفاهة.
1) معجم المقاییس فی اللغة: 277.
2) اقرب الموارد: 1 / 219.
3) المفردات فی غریب القرآن: 127.
4) شرح أسماء اللّه الحسنى: 279- 280.
5) السجدة: 7.
6) الفرقان: 2.
7) المؤمنون: 115؛ لاحظ: شرح أسماء اللّه الحسنى: 279- 280.