البرزخ هو المنزل الأوّل للإنسان بعد الموت، و قد صرّح القرآن على أنّ أمام الإنسان بعد موته برزخ إلى یوم القیامة قال عزّ من قائل:
«وَ مِنْ وَرائِهِمْ (1) بَرْزَخٌ إِلى یَوْمِ یُبْعَثُونَ». (2)
و لکنّ الآیة لا تدلّ على وجود حیاة فی تلک الفاصلة، نعم هناک آیات یستفاد منها وجود حیاة واقعیة للإنسان فی تلک النشأة نأتی ببعضها:
1. قال تعالى:
«قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَیْنِ وَ أَحْیَیْتَنَا اثْنَتَیْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِیلٍ» (3)
و الظاهر أنّ المراد من الإحیاءین و الإماتتین ما یلی:
الإماتة الأولى هی الإماتة عن الحیاة الدنیا. و الإحیاء الأوّل هو الإحیاء فی البرزخ، و تستمرّ هذه الحیاة إلى نفخ الصور الأوّل.
و الاماتة الثانیة، عند نفخ الصور الأوّل، یقول سبحانه: «وَ نُفِخَ فِی الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِی السَّماواتِ وَ مَنْ فِی الْأَرْضِ» (4) و الإحیاء الثانی، عند نفخ الصور الثانی، یقول سبحانه: «وَ نُفِخَ فِی الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ یَنْسِلُونَ» (5)
و تعدّد نفخ الصّور یستفاد من الآیتین، فیترتّب على الأوّل هلاک من فی السّماوات و من فی الأرض، إلّا من شاء اللّه، و على الثانی قیام الناس من أجداثهم، و فی أمر النفخ الثانی یقول سبحانه: «وَ نُفِخَ فِی الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً» (6)
و یقول سبحانه: «فَإِذا نُفِخَ فِی الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَیْنَهُمْ یَوْمَئِذٍ وَ لا یَتَساءَلُونَ» (7)
و اختلاف الآثار یدلّ على تعدّد النفخ.
و على ضوء هذا فللإنسان حیاة بعد الإماتة من الحیاة الدنیا، و هی حیاة برزخیة متوسطة بین النشأتین.
2- قوله سبحانه: «مِمَّا خَطِیئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً فَلَمْ یَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصاراً» (8) و هذه الآیة تدلّ على أنّهم دخلوا النار بعد الغرق بلا فصل للفاء فی قوله: «فَأُدْخِلُوا».
3- قوله سبحانه: «النَّارُ یُعْرَضُونَ عَلَیْها غُدُوًّا وَ عَشِیًّا وَ یَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ» (9)
و هذه الآیة تحکی عرض آل فرعون على النار صباحاً و مساءً، قبل یوم القیامة، بشهادة قوله بعد العرض: «وَ یَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ» و لأجل ذلک، عبّر عن العذاب الأوّل بالعرض على النّار، و عن العذاب فی الآخرة، بإدخال آل فرعون أشدّ العذاب، حاکیاً عن کون العذاب فی البرزخ، أخفّ وطأً من عذاب یوم السّاعة.
ثمّ إنّ هناک آیات تدلّ على حیاة الإنسان فی هذا الحدّ الفاصل بین الدنیا و البعث، حیاة تناسب هذا الظرف، تقدّم ذکرها عند البحث عن تجرّد النفس، و نکتفی هنا بهذا المقدار، حذراً من الإطالة.
و أمّا من السنّة، فنکتفی بما جاء عن الصادق علیه السلام، عند ما سُئِلَ عن أرواح المؤمنین، فقال:
فی حجرات فی الجنّة، یأکلون من طعامها، و یشربون من شرابها، و یقولون ربّنا أتمم لنا السّاعة و أنجز ما وعدتنا».
و سئل عن أرواح المشرکین، فقال: «فی النّار یعذّبون، یقولون لا تقم لنا السّاعة، و لا تنجز لنا ما وعدتنا». (10)
1) الوراء فی الآیة بمعنى الامام کما فی قوله سبحانه: «وَ کانَ وَراءَهُمْ مَلِکٌ یَأْخُذُ کُلَّ سَفِینَةٍ غَصْباً».
2) المؤمنون: 100.
3) المؤمن: 11.
4) الزمر: 68.
5) یس: 51.
6) الکهف: 99.
7) المؤمنون: 101.
8) نوح: 25.
9) المؤمن: 46.
10) البحار: 6 / 169، باب أحوال البرزخ، الحدیث 122؛ ص 270، الحدیث 126.