إنّ من أسماء یوم القیامة، «یوم الحساب»، یحکی القرآن الکریم دعاء إبراهیم علیه السلام إلى اللّه تعالى، حیث قال:
«رَبَّنَا اغْفِرْ لِی وَ لِوالِدَیَّ وَ لِلْمُؤْمِنِینَ یَوْمَ یَقُومُ الْحِسابُ» (1)
کما یحکی أنّ موسى علیه السلام فیما أجاب فرعون حینما هدده بالقتل قال: «إِنِّی عُذْتُ بِرَبِّی وَ رَبِّکُمْ مِنْ کُلِّ مُتَکَبِّرٍ لا یُؤْمِنُ بِیَوْمِ الْحِسابِ» (2)
ثمّ إنّ الغرض من الحساب لیس هو وقوفه سبحانه على ما یستحقّه العباد من الثواب و العقاب، بالوقوف على أعمالهم الصالحة و الطالحة و هذا واضح، بل الغرض منه الاحتجاج على العاصین، و إبراز عدله تعالى على العباد فی مقام الجزاء، و لأجل ذلک یقیم علیهم شهوداً مختلفة، و للشیخ الصدوق کلام مبسوط فی المقام نأتی به إیضاحاً للمقصود، قال:
اعتقادنا فی الحساب أنّه حقّ، منه ما یتولّاه اللّه عزّ و جلّ، و منه
ما یتولّاه حججه، فحساب الأنبیاء و الأئمة علیهم السلام یتولّاه عزّ و جلّ، و یتولّى کلّ نبی حساب أوصیائه و یتولّى الأوصیاء حساب الأُمم، و اللّه تبارک و تعالى هو الشهید على الأنبیاء و الرسل، و هم الشهداء على الأوصیاء، و الأئمّة شهداء على الناس، و ذلک قول اللّه عزّ و جلّ:
«لِیَکُونَ الرَّسُولُ شَهِیداً عَلَیْکُمْ وَ تَکُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ» (3)
و قوله تعالى: «فَکَیْفَ إِذا جِئْنا مِنْ کُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِیدٍ وَ جِئْنا بِکَ عَلى هؤُلاءِ شَهِیداً» (4)
و قال اللّه تعالى: «أَ فَمَنْ کانَ عَلى بَیِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ یَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ» (5)
و الشاهد أمیر المؤمنین علیه السلام؛
و قوله تعالى: «إِنَّ إِلَیْنا إِیابَهُمْ – ثُمَّ إِنَّ عَلَیْنا حِسابَهُمْ» (6)
و من الخلق من یدخل الجنّة بغیر حساب، و أمّا السؤال فهو واقع على جمیع الخلق لقول اللّه تعالى:
«فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِینَ أُرْسِلَ إِلَیْهِمْ وَ لَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِینَ» (7)
یعنی عن الدّین، و کلّ محاسب معذّب و لو بطول الوقوف، و لا ینجو
من النار و لا یدخل الجنّة أحد بعمله إلّا برحمة اللّه تعالى.
و إنّ اللّه تبارک و تعالى یخاطب عباده من الأوّلین و الآخرین بمجمل حساب عملهم مخاطبة واحدة یسمع منها کلّ واحد قضیته دون غیرها، و یظنّ أنّه المخاطب دون غیره، و لا تشغله تعالى مخاطبة عن مخاطبة.
و یخرج اللّه تعالى لکلّ إنسان کتاباً یلقاه منشوراً، ینطق علیه بجمیع أعماله، لا یغادر صغیرة و لا کبیرة إلّا أحصاها، فیجعله اللّه محاسب نفسه و الحاکم علیها بأن یقال له:
«اقْرَأْ کِتابَکَ کَفى بِنَفْسِکَ الْیَوْمَ عَلَیْکَ حَسِیباً» (8)
و یختم اللّه تبارک و تعالى على قوم على أفواههم و تشهد أیدیهم و أرجلهم و جمیع جوارحهم بما کانوا یکتمون.
«وَ قالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَیْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِی أَنْطَقَ کُلَّ شَیْءٍ وَ هُوَ خَلَقَکُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ إِلَیْهِ تُرْجَعُونَ» (9) (10)
1) إبراهیم: 41.
2) المؤمن: 27.
3) الحج: 78.
4) النساء: 41.
5) هود: 17.
6) الغاشیة: 25- 26.
7) الأعراف: 6.
8) الإسراء: 14.
9) فصلت: 21.
10) رسالة الاعتقادات للشیخ الصدوق، الباب 28، باب الاعتقاد فی الحساب و الموازین.