اختلف الإلهیون فی کیفیة إجراء صفات اللّه الذاتیة علیه سبحانه على قولین:
الأوّل: عینیة الصفات مع الذات، و هذا ما تبنّته أئمة أهل البیت علیهم السلام و اختاره الحکماء الإلهیون و علیه جمهور المتکلّمین من الإمامیة و المعتزلة و غیرهما.
و الثانی: زیادتها على الذات و هو مختار المشبِّهة من أصحاب الصفات و الأشاعرة، قال الشیح المفید فی هذا المجال:
إنّ اللّه عزّ و جلّ اسمه حیّ لنفسه لا بحیاة، و انّه قادر لنفسه و عالم لنفسه لا بمعنى کما ذهب إلیه المشبِّهة من اصحاب الصفات … و هذا مذهب الإمامیة کافّة و المعتزلة إلّا من سمّیناه (1) و أکثر المرجئة و جمهور الزیدیة و جماعة من اصحاب الحدیث و المحکِّمة. (2)
قوله: «لا بحیاة» یعنی حیاة زائدة على الذات، و قوله: «لا بمعنى» أی صفة زائدة کالعلم و القدرة.
إذا عرفت ذلک فاعلم: أنّ الصحیح هو القول بالعینیة، فإنّ القول بالزیادة یستلزم افتقاره سبحانه فی العلم بالأشیاء و خلقه إیّاها إلى أمور خارجة عن ذاته، فهو یعلم بعلم هو سوى ذاته، و یخلق بقدرة هی خارجة عن حقیقته و هکذا، و الواجب بالذات منزّه عن الاحتیاج إلى غیر ذاته، و الأشاعرة و إن کانوا قائلین بأزلیّة الصفات مع زیادتها على الذات، لکنّ الأزلیة لا ترفع الفقر و الحاجة عنه، لأنّ الملازمة غیر العینیة. ثمّ إن زیادة الصفات على الذات تستلزم الاثنینیة و الترکیب، قال الامام علی علیه السلام:
«و کمال الإخلاص له نفی الصفات عنه، لشهادة کلّ صفة انّها غیر الموصوف، و شهادة کلّ موصوف انّه غیر الصفة، فمن وصف اللّه سبحانه فقد قرنه و من قرنه فقد ثنّاه، و من ثنّاه فقد جزّأه، و من جزّأه فقد جهله». (3)
فإن قلت: لا شکّ أنّ للّه تعالى صفات و أسماء مختلفة أُنهیت فی الحدیث النبوی المعروف إلى تسع و تسعین (4)، فکیف یجتمع ذلک مع القول بالعینیّة و وحدة الذات و الصفات؟
قلت: کثرة الأسماء و الصفات راجعة إلى عالم المفهوم، مع أنّ العینیة
ناظرة إلى مقام الواقع العینی، و لا یمتنع کون الشیء على درجة من الکمال یکون فیها کلّه علماً و قدرة و حیاة و مع ذلک فینتزع منه باعتبارات مختلفة صفات متعدّدة متکثّرة، و هذا کما أنّ الإنسان الخارجی مثلا بتمام وجوده مخلوق للّه سبحانه، و معلوم له و مقدور له، من دون أن یخصّ جزء منه بکونه معلوماً و جزء آخر بکونه مخلوقاً أو مقدوراً، بل کلّه معلوم و کلّه مخلوق، و کلّه مقدور.
ثمّ إنّ الشیخ الأشعری استدلّ على نظریة الزیادة بأنّه یستحیل أن یکون العلم عالماً، أو العالم علماً، و من المعلوم انّ اللّه عالم، و من قال: إنّ علمه نفس ذاته لا یصحّ له أن یقول إنّه عالم، فتعیّن أن یکون عالماً بعلم یستحیل أن یکون هو نفسه. (5)
یلاحظ علیه: أنّ الحکم باستحالة اتحاد العلم و العالم و عینیتهما مأخوذ عمّا نعرفه فی الإنسان و نحوه من الموجودات الممکنة فی ذاتها و لا شکّ فی مغایرة الذات و الصفة فی هذا المجال، و لکن لا تصحّ تسریته إلى الواجب الوجود بالذات، فإذا قام البرهان على العینیة هنا، فلا استحالة فی کون العلم عالماً و بالعکس.
و هناک ادلّة أخرى للأشاعرة على إثبات نظریّتهم، و الکلّ مخدوشة کما اعترف بذلک صاحب المواقف. (6)
ثمّ إنّ المشهور أنّ المعتزلة نافون للصفات مطلقاً و قائلون بنیابة الذات
عن الصفات، و لکنّه لا أصل له، فالمنفی عندهم هو الصفات الزائدة الأزلیة، لا أصل الصفات فهم قائلون بالعینیة کالإمامیة، و یدلّ على ذلک کلام الشیخ المفید الآنف الذکر، نعم یظهر القول بالنیابة من عبّاد بن سلیمان و أبی علی الجبّائی. (7)
1) المراد أبو هاشم الجبّائی.
2) أوائل المقالات: 56.
3) نهج البلاغة: الخطبة الأولى.
4) التوحید للصدوق: الباب 29، الحدیث 8.
5) اللمع: 30، باختصار.
6) راجع: شرح المواقف: 8 / 45- 47.
7) للوقوف على آرائهم فی هذا المجال راجع «بحوث فی الملل و النحل» لشیخنا الأُستاذ السبحانی- دام ظلّه-: 3 / 271- 279.