الحاکم هو الّذی له تسلّط على النفوس و الأموال، و التصرّف فی شئون المجتمع بالأمر و النهى، و العزل و النصب، و التحدید و التوسیع و نحو ذلک، و من المعلوم أنّ هذا یحتاج إلى ولایة له بالنسبة إلى المسلّط علیه، و لو لا ذلک لعدّ التصرّف عدوانیاً، هذا من جانب.
و من جانب آخر الولایة على الغیر متفرّع على کون الوالی مالکا للمولّى علیه أو مدبّر أموره فی الحیاة، و بما أن لا مالکیة لأحد على غیره إلّا للّه تعالى و لا مدبِّر سواه فإنّه الخالق الموجد للجمیع و المدبّر للکون بأجمعه، فلا ولایة لأحد على أحد بالذات سوى اللّه تعالى، فحقّ الولایة منحصر للّه تعالى.
قال سبحانه: «أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِیاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِیُّ» (1)
و قال سبحانه: «إِنِ الْحُکْمُ إِلَّا لِلَّهِ یَقُصُّ الْحَقَّ وَ هُوَ خَیْرُ الْفاصِلِینَ» (2)
و من جانب ثالث: أنّ وجود الحکومة و الحاکم البشری فی المجتمع
أمر ضروری کما أشار إلیه الإمام علی علیه السلام بقوله: «لا بدّ للناس من أمیر برّ أو فاجر». (3)
و من المعلوم أنّ ممارسة الإمرة و تجسید الحکومة فی الخارج لیس من شأنه سبحانه، بل هو شأن من یماثل المحکوم علیه فی النوع و یشافهه و یقابله مقابلة الإنسان للانسان، و على ذلک، فوجه الجمع بین حصر الحاکمیة فی اللّه سبحانه و لزوم کون الحاکم و الأمیر بشراً کالمحکوم علیه، هو لزوم کون من یمثّل مقام الإمرة مأذوناً من جانبه سبحانه لإدارة الأمور و التصرّف فی النفوس و الأموال، و أن تکون ولایته مستمدّة من ولایته و منبعثة منها.
و على هذا فالحکومات القائمة فی المجتمعات یجب أن تکون مشروعیتها مستمدّة من ولایته سبحانه و حکمه بوجه من الوجوه، و إذا کانت علاقتها منقطعة غیر موصولة به سبحانه فهی حکومات طاغوتیة لا مشروعیّة لها.
1) الشورى: 9.
2) الأنعام: 57.
3) نهج البلاغة: الخطبة 40.