جستجو
این کادر جستجو را ببندید.

التقدیر المحتوم و الموقوف‏ (2)

زمان مطالعه: 2 دقیقه

قد أشرنا سابقاً إلى أنّ التغییر إنّما یقع فی التقدیر الموقوف دون المحتوم، و هذا ما یحتاج إلى شی‏ء من البیان فنقول:

إنّ للّه سبحانه تقدیرین، محتوماً و موقوفاً، و المراد من المحتوم ما لا یبدّل و لا یغیّر مطلقاً، و ذلک کقضائه سبحانه للشّمس و القمر مسیرین إلى أجل معیّن، و للنظام الشّمسی عمراً محدّداً، و تقدیره فی حقِّ کلّ إنسان بأنّه یموت، إلى غیر ذلک من السنن الثابتة الحاکمة على الکون و الإنسان.

و المراد من التقدیر الموقوف الأُمور المقدّرة على وجه التعلیق، فقدّر أنّ المریض یموت فی وقت کذا إلّا إذا تداوى، أو أجریت له عملیّة جراحیة، أو دعی له و تصدّق عنه، و غیر ذلک من التقادیر الّتی تغیّر بإیجاد الأسباب المادّیة و غیرها الّتی هی أیضاً من مقدّراته سبحانه، و اللّه سبحانه یعلم فی الأزل کلا التقدیرین: المحتوم، الموقوف، و ما یتوقف علیه الموقوف، و إلیک بعض ما ورد عن أئمّة أهل البیت علیهم السلام حول هذین التقدیرین:

1. سئل أبو جعفر الباقر علیه السلام عن لیلة القدر، فقال: تنزل فیها الملائکة و الکتبة إلى سماء الدنیا فیکتبون ما هو کائن فی أمر السنة … إلى أن قال-: و أمر موقوف للّه تعالى فیه المشیئة، یقدِّم منه ما یشاء و یؤخِّر ما یشاء، و هو قوله:

«یَمْحُوا اللَّهُ ما یَشاءُ وَ یُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْکِتابِ» (1)

2. روى الفضیل: سمعت أبا جعفر علیه السلام یقول: «من الأُمور أمور محتومة جائیة لا محالة، و من الأُمور أُمور موقوفة عند اللّه یقدِّم منها ما یشاء و یمحو منها ما یشاء: و یثبت منها ما یشاء». (2)

3. و فی حدیث قال الرضا علیه السلام لسلیمان المروزی: «یا سلیمان إنّ من الأُمور أموراً موقوفة عند اللّه تبارک و تعالى یقدِّم منها ما یشاء و یؤخِّر ما یشاء». (3)

ثمّ إنّ القرآن الکریم ذکر الأجل بوجهین: على وجه الإطلاق، و بوصف کونه مسمّى فقال:

«هُوَ الَّذِی خَلَقَکُمْ مِنْ طِینٍ ثُمَّ قَضى‏ أَجَلًا وَ أَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ» (4)

فجعل للإنسان أجلین: مطلقاً و مسمّى.

و المقصود من الأجل المسمّى هو التقدیر المحتوم، و من الأجل المطلق التقدیر الموقوف، قال العلّامة الطباطبائی:

إنّ الأجل أجلان: الأجل على إبهامه، و الأجل المسمّى عند اللّه تعالى، و هذا هو الّذی لا یقع فیه تغییر لمکان تقییده بقوله (عنده) و قد قال تعالى: «وَ ما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ» (5)

و هو الأجل المحتوم الّذی لا یتغیّر و لا یتبدّل، قال تعالى: «إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا یَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ لا یَسْتَقْدِمُونَ» (6) فنسبة الأجل المسمّى إلى الأجل غیر المسمّى، نسبة المطلق المنجّز

إلى المشروط المعلّق، فمن الممکن أن یتخلّف المشروط المعلّق عن التحقّق لعدم تحقّق شرطه الّذی علّق علیه، بخلاف المطلق المنجّز، فإنّه لا سبیل إلى عدم تحقّقه البتّة.

و التدبّر فی الآیات یفید أنّ الأجل المسمّى هو الّذی وضع فی أُمّ الکتاب، و غیر المسمّى من الأجل هو المکتوب فیما نسمّیه ب (لوح المحو و الإثبات). (7)


1) بحار الأنوار: 4 / 102، باب البداء، الحدیث 14، نقلًا عن أمالی الطوسی.

2) المصدر السابق: 119، الحدیث 58.

3) نفس المصدر: 95، الحدیث 2.

4) الأنعام: 2.

5) النحل: 96.

6) یونس: 49.

7) المیزان: 7 / 8- 9.