الأمر الرابع: التسلسل محال، و هو عبارة عن اجتماع سلسلة من العلل و المعالیل الممکنة، مترتبة غیر متناهیة، و یکون الکلّ متَّسماً بوصف الإمکان، بأن یتوقف (أ) على (ب) و (ب) على (ج) و (ج) على (د) و هکذا من دون أن تنتهی إلى علّة لیست بممکنة و لا معلولة.
و الدلیل على استحالته أنّ المعلولیّة وصف عامّ لکلّ جزء من أجزاء السلسلة، فعندئذ یطرح هذا السؤال نفسه: إذا کانت السلسلة الهائلة معلولة، فما هی العلّة الّتی أخرجتها من کتم العدم إلى عالم الوجود؟ و المفروض أنّه لیس هناک شیء یکون علّة و لا یکون معلولًا، و الّا یلزم انقطاع السلسلة
و توقّفها عند نقطة خاصّة، و هی الموجود الّذی قائم بنفسه و غیر محتاج إلى غیره و هو الواجب الوجود بالذات.
فإن قلت: إنّ کلّ معلول من السلسلة متقوّم بالعلّة الّتی تتقدّمه و متعلّق بها، فالجزء الأوّل من آخر السلسلة وجد بالجزء الثانی، و الثانی بالثالث، و هکذا إلى أجزاء و حلقاتٍ غیر متناهیة، و هذا المقدار من التعلّق یکفی لرفع الفقر و الحاجة.
قلت: المفروض أنّ کلّ جزء من أجزاء السلسلةُ متَّسم بوصف الإمکان و المعلولیة، و على هذا فوصف العلّیّة له لیس بالأصالة و الاستقلال، فلیس لکلّ حلقة دور الإفاضة و الإیجاد بالاستقلال، فلا بدّ أن یکون هناک علّة وراء هذه السلسلة ترفع فقرها و تکون سناداً لها.
و لتوضیح الحال نمثّل بمثال و هو أنّ کلّ واحدة من هذه المعالیل بحکم فقرها الذاتی، بمنزلة الصفر، فاجتماع هذه المعالیل بمنزلة اجتماع الأصفار، و من المعلوم أنّ الصفر بإضافة أصفار متناهیة أو غیر متناهیة إلیه لا ینتج عدداً، بل یجب أن یکون إلى جانب هذه الأصفار عدد صحیح قائم بالذات حتّى یکون مصحِّحاً لقراءة تلک الأصفار.
فقد خرجنا بهذه النتیجة و هی أنّ فرض علل و معالیل غیر متناهیة مستلزم لأحد أمرین: إمّا تحقّق المعلول بلا علّة، و إمّا عدم وجود شیء فی الخارج رأساً، و کلاهما بدیهی الاستحالة.