کیف یمکن عدّ الصحابة جمیعاً عدولًا و التاریخ بین أیدینا، نرى أنّ بعضهم کولید بن عقبة ظهر علیه الفسق فی حیاة النبیّ و بعده، أما الأوّل فمن المجمع علیه بین أهل العلم أنّ قوله تعالى: «إِنْ جاءَکُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَیَّنُوا» (1)
نزلت فی شأنه، کما نزل فی حقّه قوله تعالى:
«أَ فَمَنْ کانَ مُؤْمِناً کَمَنْ کانَ فاسِقاً لا یَسْتَوُونَ» (2)
و أمّا الثانی فروى أصحاب السِّیَر و التاریخ أنّ الولید سکر و صلّى الصبح بأهل الکوفة أربعاً ثمّ التفت إلیهم و قال: هل أزیدکم …. (3)
و هذا قدّامة بن مظعون صحابی بدری، روی أنّه شرب الخمر، و أقام علیه عمر الحدّ (4) و لا درأ عنه الحدّ بحجّة أنّه بدری، و لا قال: قد نهی رسول اللّه صلى الله علیه و آله عن ذکر مساوئ الصحابة، کما أنّ المشهور (5) أنّ عبد الرحمن الأصغر بن عمر بن الخطاب، قد شرب الخمر و ضربه عمر حدّاً فمات، و کان ممّن عاصر رسول اللّه صلى الله علیه و آله.
إنّ بعض الصحابة خضب وجه الأرض بالدماء، فاقرأ تاریخ بسر بن أرطاة، حتى أنّه قتل طفلین لعبید اللّه بن عباس، و کم و کم بین الصحابة لدَّة هؤلاء من رجال العیث و الفساد، قد حفل التاریخ بضبط مساوئهم، أ فبعد هذه البیّنات یصحّ التقوّل بعدالة الصحابة مطلقاً؟!
إنّ النظرة العابرة لتاریخ الصحابة تقضی بأنّ بعضهم کان یتّهم الآخر بالنفاق و الکذب (6)، کما أنّ بعضهم کان یقاتل بعضاً و یقود جیشاً لمحاربته، فقتل بین ذلک جماعة کثیرة، أ فهل یمکن تبریر أعمالهم من الشاتم و المشتوم، و القاتل و المقتول، و عدّهم عدولًا و مثلًا للفضل و الفضیلة؟!
1) الحجرات: 6.
2) السجدة: 18. لاحظ: تفسیر الطبری: 21 / 62؛ و تفسیر ابن کثیر: 3 / 452.
3) راجع: الکامل لابن الأثیر: 3 / 105- 107؛ أُسد الغابة: 5 / 91.
4) أُسد الغابة: 4 / 199؛ و سائر الکتب الرجالیة.
5) نفس المصدر: 3 / 312.
6) راجع فی ذلک: صحیح البخاری: 5 / 188، فی تفسیر سورة النور، مشاجرة سعد بن معاذ مع سعد بن عبادة فی قضیة الإفک.