قد استوفی شیخنا الاستاذ- دام ظلّه- الکلام فی أقسام التأویل فی مقدمة الجزء الخامس من موسوعته القرآنیة «مفاهیم القرآن»: 12- 16.
إنّ العدلیّة من المتکلّمین هم المشهورون بهذه النظریّة حیث یفسّرون الید بالنعمة و القدرة، و الاستواء بالاستیلاء و إظهار القدرة و تبعهم فی ذلک جماعة من الأشاعرة و غیرهم.
أقول: إنّ الظاهر على قسمین: الظاهر الحرفی و الظاهر الجملی، فإنّ الید مثلًا مفردة ظاهرة فی العضو الخاص، و لیست کذلک فیما إذا حفّت بها القرائن، فإنّ قول القائل فی مدح انسان انّه «باسط الید»، أو فی ذمّه «قابض
الید» لیس ظاهراً فی الید العضویة الّتی أسمیناها بالمعنى الحرفی، بل ظاهر فی البذل و العطاء أو فی البخل و الإقتار و ربما یکون مقطوع الید، و حمل الجملة على غیر ذلک المعنى، حمل على غیر ظاهرها.
و على ذلک یجب ملاحظة کلام المؤوِّلة، فان کانت تأویلهم على غرار ما بیّنّاه فهؤلاء لیسوا بمؤوِّلة بل هم مقتفون لظاهر الکتاب و السنة، و لا یکون تفسیر الکتاب العزیز- على ضوء القرائن الموجودة فیه- تأویلًا و إنما هو اتّباع للنصوص و الظواهر، و ان کان تأویلهم باختراع معان للآیات من دون أن تکون فی الآیات قرائن متصلة أو منفصلة دالّة علیها فلیس التأویل- بهذا المعنى- بأقلّ خطراً من الإثبات المنتهی إمّا إلى التجسیم أو إلى التعقید و الإبهام.
و على ضوء ما قرّرنا من الضابطة و المیزان، تقدر على تفسیر ما ورد فی التنزیل من الوجه (1) و العین (2) و الجنب (3) و الإتیان (4) و الفوقیة (5) و العرش (6) و الاستواء (7) و ما یشابهها، من دون أن تمسّ کرامة التنزیه، و من دون أن تخرج عن ظواهر الآیات بالتأویلات الباردة غیر الصحیحة.
1) «کُلُّ شَیْءٍ هالِکٌ إِلَّا وَجْهَهُ» (القصص: 88).
2) «وَ اصْنَعِ الْفُلْکَ بِأَعْیُنِنا وَ وَحْیِنا» (هود: 37).
3) «أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ یا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِی جَنْبِ اللَّهِ» (الزمر: 56).
4) «وَ جاءَ رَبُّکَ وَ الْمَلَکُ صَفًّا صَفًّا» (الفجر: 22) «فَأَتَى اللَّهُ بُنْیانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ» (الزمر: 56).
5) «یَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَیْدِیهِمْ» (الفتح: 10).
6) «إِذاً لَابْتَغَوْا إِلى ذِی الْعَرْشِ سَبِیلًا» (الاسراء: 42).
7) «الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى» (طه: 5).