إنّ الشیخ الأشعری و من تبعه یجرون هذه الصفات على اللّه سبحانه بالمعنى المتبادر منها فی العرف، لکن لأجل الفرار عن التشبیه یقولون: «بلا تشبیه و لا تکییف». یقول الأشعری:
إنّ للّه سبحانه وجهاً بلا کیف، کما قال: «وَ یَبْقى وَجْهُ رَبِّکَ ذُو الْجَلالِ وَ الْإِکْرامِ» (1)
و إنّ له یدین بلا کیف، کما قال: «خَلَقْتُ بِیَدَیَّ» (2) (3)
و قد نقلت هذه النظریّة عن أبی حنیفة و الشافعی و ابن کثیر. (4) و حاصل هذه النظریّة أنّ له سبحانه هذه الحقائق لکن لا کالموجودة فی البشر، فله ید و عین، لا کأیدینا و أعیننا و بذلک توفقوا- على حسب زعمهم- فی الجمع بین ظواهر النصوص و مقتضى التنزیه.
أقول: القول بأنّ للّه یداً لا کأیدینا، أو وجهاً لا کوجوهنا، و هکذا سائر الصفات الخبریة أشبه بالألغاز، فاستعمالها فی المعانی الحقیقیة و إثبات معانیها على اللّه سبحانه بلا کیفیّة أشبه بکون حیوان أسداً حقیقة و لکن بلا
ذنب و لا مخلب و لا ناب و لا … و إبراز العقیدة الإسلامیّة بصورة الإبهام و الألغاز کما فی هذه النظریّة کإبرازها بصورة التشبیه و التجسیم المأثور من الیهودیة و النصرانیة کما فی النظریّة الأُولى، لا یجتمع مع موقف الاسلام و القرآن فی عرض العقائد على المجتمع الإسلامی.
و ممّن خالف هذه النظریّة أبو حامد الغزالی، و حاصل ما ذکره فی نقدها أنّ هذه الألفاظ الّتی تجرى فی العبارات القرآنیة و الأحادیث النبویّة لها معان ظاهرة و هی الحسّیة الّتی نراها، و هی محالة على اللّه تعالى، و معان أخرى مجازیة مشهورة یعرفها العربی من غیر تأویل و لا محاولة تفسیر، فإذا سمع الید فی قوله صلى الله علیه و آله: «إنّ اللّه خمّر آدم بیده، و إنّ قلب المؤمن بین إصبعین من أصابع الرحمن» فینبغی أن یعلم أنّ هذه الألفاظ تطلق على معنیین: أحدهما- و هو الوضع الأصلی-: هو عنصر مرکب من لحم و عظم و عصب، و قد یستعار هذا اللفظ، أعنی: الید، لمعنى آخر لیس هذا المعنى بجسم اصلًا، کما یقال: «البلدة فی ید الأمیر». فإنّ ذلک مفهوم و إن کان الامیر مقطوع الید، فعلى العامّی و غیر العامّی أن یتحقّق قطعاً و یقیناً أنّ الرسول صلى الله علیه و آله لم یرد بذلک جسماً، و أنّ ذلک فی حق اللّه محال، فإن خطر بباله أنّ اللّه جسم مرکّب من أعضاء فهو عابد صنم، فإنّ کلّ جسم مخلوق و عبادة المخلوق کفر و عبادة الصنم کانت کفراً لأنّه مخلوق. (5)
و من المخالفین لهذه النظریّة أبو زهرة المعاصر فإنّه قال: «قولهم بأنّ
للّه یداً و لکن لا نعرفها و للّه نزولا لکن لیس کنزولنا» الخ هذه إحالات على مجهولات، لا نفهم مؤدّاها و لا غایاتها (6)
1) الرحمن: 27.
2) ص: 75.
3) الإبانة: 75.
4) لاحظ: «علاقة الإثبات و التفویض»: 46- 49.
5) إلجاء العوام عن علم الکلام: 55.
6) تاریخ المذاهب الإسلامیة: 1 / 219- 220.