من مظاهر عدله تعالى و حکمته تنزیه أفعاله سبحانه عن العبث و لزوم اقترانها بالغایات و الأغراض، و هذه المسألة من المسائل الّتی تشاجرت فیها العدلیة و الأشاعرة، فالأُولى على الإیجاب و الثانیة على السلب.
و استدلّت العدلیة على مدّعاهم بأنّ خلوَّ الفعل عن الغایة و الغرض یعدّ لغواً و عبثاً و هو من القبائح العقلیة، و اللّه تعالى منزَّه عن القبائح فلا بدّ أن تکون أفعاله مقترنة بأغراض و معلَّلة بغایات.
و المهمّ فی هذا المجال، التحقیق حول دلائل الأشاعرة على إنکار کون أفعاله تعالى معلّلة بالغایات، و أمّا دلیل نظریة العدلیة فهو واضح، لأنّ هذه المسألة- کما تقدّم- من فروع مسألة التحسین و التقبیح العقلیّین فنقول:
استدلّت الأشاعرة على مذهبهم بأنّه لو کان فعله لغرض لکان ناقصاً لذاته مستکملًا بتحصیل ذلک الغرض لأنّه لا یصلح غرضاً للفاعل الّا ما هو أصلح له من عدمه و هو معنى الکمال. (1)
یلاحظ علیه: أنّ الأشاعرة خلطوا بین الغرض الراجع إلى الفاعل، و الغرض الراجع إلى فعله، فالاستکمال لازم فی الأوّل دون الثانی، و القائل بکون أفعاله معلّلة بالأغراض و الغایات و الدواعی و المصالح، إنّما یعنی بها الثانی دون الأوّل.
توضیح ذلک: أنّ العلّة الغائیة فی أفعال الفواعل البشریة هی السّبب لخروج الفاعل عن کونه فاعلًا بالقوّة إلى کونه فاعلًا بالفعل، فهی متقدّمة على الفعل صورة و ذهناً و مؤخّرة عنه وجوداً و تحقّقاً، و لا تتصوّر العلّة الغائیة بهذا المعنى فی ساحته تعالى، لغناه المطلق فی مقام الذات و الوصف و الفعل، فلا یحتاج فی الإیجاد إلى شیء وراء ذاته، و إلّا لکان ناقصاً فی مقام الفاعلیة مستکملًا بشیء وراء ذاته و هو لا یجتمع مع غناه المطلق، و لکن نفی العلّة الغائیة بهذا المعنى لا یستلزم أن لا یترتّب على فعله مصالح و حِکَم ینتفع بها العباد و ینتظم بها النظام، و ذلک لأنّه سبحانه فاعل حکیم، و الفاعل الحکیم لا یختار من الأفعال الممکنة إلّا ما یناسب ذلک، و لا یصدر منه ما یضادّه و یخالفه. (2)
1) شرح المواقف: 8 / 202- 203.
2) و إلى ذلک أشار المحقّق الطوسی بقوله: «و نفی الغرض یستلزم العبث و لا یلزم عوده إلیه» کشف المراد، المقصد 3، الفصل 3، المسألة 4.