جستجو
این کادر جستجو را ببندید.

ادلة منکری بعثة الأنبیاء (2)

زمان مطالعه: 2 دقیقه

استدلّ المنکرون لبعثة الأنبیاء على مدّعاهم بوجوه أهمّها ما یلی:

الدلیل الأوّل‏

إنّ الرسول إمّا أن یأتی بما یوافق العقول أو بما یخالفها، فإن جاء بما یوافق العقول، لم یکن إلیه حاجة، و لا فائدة فیه، و إن جاء بما یخالف العقول، وجب ردّ قوله.

و الجواب عنه: أنّ ما یأتی به الرّسول موافق للعقل فی نفس الأمر، لکن لا یستلزم ذلک أن یکون العقل عارفاً بجمیع ما یأتی به النبیّ.

فهاهنا فرض ثالث و هو إتیان الرّسول بما لا یصل إلیه العقل بالطاقات المیسورة له، فإنّک قد عرفت فیما أقمنا من الأدلّة على لزوم البعثة، أنّ عقل الإنسان و تفکّره قاصر عن نیل الکثیر من المسائل.

الدلیل الثانی:

قد دلّت الدلائل العقلیة على أنّ للعالم صانعاً عالماً قادراً حکیماً، و أنّه‏

أنعم على عباده نعماً توجب الشکر، فننظر فی آیات خلقه بعقولنا، و نشکره بآلائه علینا، و إذا عرفناه و شکرنا له، استوجبنا ثوابه، و إذا أنکرناه و کفرنا به، استوجبنا عقابه، فما بالنا نتّبع بشراً مثلنا؟!

و الجواب عنه: أنّ کثیراً من الناس لا یعرفون کیفیة الشکر، فربما یتصوّرون أنّ عبادة المقرَّبین نوع شکر للَّه سبحانه، فلأجل ذلک ترى عبدة الأصنام و الأوثان یعتقدون أنّ عبادتهم للمخلوق شی‏ء موجب للتقرّب. (1) أضف الى ذلک أنّ تخصیص برامج الأنبیاء بالأمر بالشکر و النهی عن کفران النعمة، غفلة عن أهدافهم السامیة، فإنّهم جاءوا لإسعاد البشر فی حیاتهم الفردیة و الاجتماعیة، و لا تختصّ رسالتهم بالأوراد و الأذکار الجافّة، کتلک الّتی یردّدها أصحاب بعض الدیانات أیّام السّبت و الأحد فی البیع و الکنائس، و إنّک لتقف على عظیم أهداف رسالة النبیّ الأکرم صلى الله علیه و آله إذا وقفت على کلمته المأثورة: «إنّی قد جئتکم بخیر الدنیا و الآخرة». (2)

الدلیل الثالث:

إنّ أکبر الکبائر فی الرسالة، اتّباع رجل هو مثلک فی الصورة و النفس و العقل، یأکل ممّا تأکل، و یشرب ممّا تشرب …

فأی مزیّة له علیک؟ و أیّ فضیلة أوجبت استخدامک؟ و ما دلیله على صدق دعواه؟ (3)

و الجواب عنه: أنّ هذه شبهة أشیر إلیها فی القرآن الکریم مع الجواب عنها، فقد أشیر الى الشّبهة فی قوله تعالى:

«…. وَ أَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِینَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُکُمْ أَ فَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَ أَنْتُمْ تُبْصِرُونَ» (4)

و فی قوله تعالى:

«وَ قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِینَ کَفَرُوا وَ کَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ وَ أَتْرَفْناهُمْ فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُکُمْ یَأْکُلُ مِمَّا تَأْکُلُونَ مِنْهُ وَ یَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ – وَ لَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَکُمْ إِنَّکُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ». (5)

و قد أجیب عنها فی قوله سبحانه:

«قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُکُمْ وَ لکِنَّ اللَّهَ یَمُنُّ عَلى‏ مَنْ یَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ ما کانَ لَنا أَنْ نَأْتِیَکُمْ بِسُلْطانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَ عَلَى اللَّهِ فَلْیَتَوَکَّلِ الْمُؤْمِنُونَ». (6)

و فی قوله سبحانه: «قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُکُمْ یُوحى‏ إِلَیَّ». (7)

فالجملة الأُولى، و هی الاتحاد فی البشریة، إشارة إلى أحد رکنی‏

الرسالة، و هو لزوم المسانخة التامّة بین المرسل- بالفتح- و المُرسَل إلیه. و قوله: «یُوحى‏ إِلَیَّ»، إشارة إلى وجه الفرق بینهما، و أنّه لأجل نزول الوحی علیه یجب اتّباعه و إطاعته. و بذلک یظهر مزیّة الأنبیاء و فضیلتهم و تقدّمهم على غیرهم.

و أمّا دلیلهم على صدق ادّعاءاتهم، فسیوافیک فی البحث التالی أنّ المعجزة طریق برهانی لتمییز النبیّ الصادق عن المتنبّئ الکاذب.


1) قال تعالى حکایة عن المشرکین: «وَ الَّذِینَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِیاءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِیُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى‏» (الزمر: 3).

2) تاریخ الطبری: 2 / 63، قاله النبی عند دعوة أقاربه إلى الإسلام.

3) للوقوف على مدارک أدلّة البراهمة، أُنظر: الملل و النحل للشهرستانی: 2 / 250- 252؛ کشف المراد: 217؛ شرح التجرید للفاضل القوشجی: 358.

4) الأنبیاء: 3.

5) المؤمنون: 33- 34.

6) إبراهیم: 11.

7) فصّلت: 6.