إنّ للقائلین بجواز رؤیته تعالى أدلّة عقلیة و نقلیة، فمن أدلّتهم العقلیة ما ذکره الأشعرى بقوله:
لیس فی جواز الرؤیة إثبات حدث، لأنّ المرئى لم یکن مرئیا لأنّه محدث، و لو کان مرئیاً لذلک للزمه أن یرى کلّ محدث و ذلک باطل عنده» (1)
یلاحظ علیه: أنّ الحدوث لیس شرطاً کافیاً للرؤیة حتّى تلزم رؤیة کلّ محدث، بل هو شرط لازم یتوقّف على انضمام سائر الشروط الّتی أشرنا إلیها و بما أنّ بعضها غیر متوفّر فی الموجودات المجرّدة المحدثة، لا تقع علیها الرؤیة.
و هناک دلیل عقلى استدلّ به مشایخ الأشاعرة فی العصور المتأخرة، و حاصله أنّ ملاک الرؤیة و المصحّح لها أمر مشترک بین الواجب و الممکن و هو الوجود، قالوا:
إنّ الرؤیة مشترکة بین الجوهر و العرض، و لا بدّ للرؤیة المشترکة من علّة واحدة، و هی إمّا الوجود أو الحدوث، و الحدوث لا یصلح للعلّیّة لأنّه أمر عدمی، فتعیّن الوجود، فینتج أنّ صحّة الرؤیة مشترکة بین الواجب و الممکن (2)
و هذا الدلیل ضعیف جدّاً و من هنا لم یتمّ عند المفکّرین من الأشاعرة أیضاً، إذ لقائل أن یقول: إنّ الجهة المشترکة للرؤیة فی الجوهر و العرض لیست هی الوجود بما هو وجود، بل الوجود المقیّد بعدّة قیود، و هی کونه ممکناً، مادّیّاً، یقع فی إطار شرائط خاصّة یستحیل فی حقّه تعالى، و لو کان الوجود هو الملاک التام لصحّة الرؤیة للزم صحّة رؤیة الأفکار و العقائد، و الروحیات و النفسانیات کالقدرة و الإرادة و غیر ذلک من الأُمور الروحیة الوجودیة الّتی لا تقع فی محل الرؤیة.
1) اللمع: 61.
2) شرح المواقف: 8 / 115؛ شرح التجرید للقوشجی: 329- 330؛ تلخیص المحصل: 317؛ کشف المراد: 231؛ قواعد المرام: 78.